ظهرت الرواية التاريخية العربية في القرن الأول الهجري ثم نمت نمواً مطرداً وتنوعت تنوعاً بيناً في القرون الثلاثة التالية… لا شك أن أبا العلاء اطلع على جل هذه الكتب إن لم يكن اطلع عليها كلها، فقد كانت في متناول يده في مكاتب المعرة واللاذقية وحلب ودار العلم ببغداد ولا أدل على سعة علمه بالتاريخ العام وأخبار العرب قبل الإسلام والتاريخ الإسلامي من كثرة استشهاده بالحوادث التاريخية كثرة رائعة في نثره وشعره.. وكثيراً ما يورد أبا العلاء في “رسالة الغفران” تلميحات وإشارات إلى الفرق والنحل الإسلامية من سنة وشيعة ومرجئه كما ذكر الزنج والقرامطة والمختار بن أبي عبيد والمنصور اليمني والحلاج. ومن الطريف أنه ساق في آخر رسالة الغفران كلاماً على الدنانير والعملة الإسلامية فيه تفصيلات لا نجدها في كتب التاريخ التي بأيدينا… وكما وجد أبو العلاء في التاريخ قديمه والمعاصر له مادة غذت فنه الأدبي وأعانته على صوغ آرائه في الإصلاح السياسي والاجتماعي فقد وجد فيه كذلك مادة لآرائه الفلسفية الخاصة به.
عبد الحميد العبادي
1892 - 1956
من كبار المؤرخين والباحثين المصريين، عضو في المجمع العلمي العربي بدمشق، وعالم بالتاريخ الإسلامي، كان عميداً لكلية الآداب في جامعة الإسكندرية . وهو من الذين أسسوا الجامعة المصرية وأسهموا في الحياة الجامعية على أسس قوية متينة. كان واسع المعرفة، دقيق الفهم، متمرساً بالنحو، ذوّاقاً للأدب العربي، محباً لمنتديات الاسكندرية الأدبية مع أصدقائه من الأدباء والشعراء، عرف بتميزه في منهجه التاريخي المبني على بعدين فلسفي وقومي.