السوريون الناجون يرفعون “رأس المعري” في المدن الأوروبية

أقامت “الناجون من المعتقلات السورية”، فعالية ذات بعد فني وثقافي وحقوقي في مدينة ملقا في إسبانيا، حيث تم افتتاح معرض خاص بنصب الشاعر والفيلسوف السوري أبي العلاء المعري، بالتعاون مع جمعية بالميرا في ملقا ليبدأ العمل جولته بين كل المدن الأوروبية التي يستطيع السوريون الناجون استقدامه إليها، احتفاء بالقيمة الإنسانية الرفيعة لمؤلف “رسالة الغفران”، التي كان تأثيرها عابرًا للأزمنة، ولوضع بصمة ثقافية تليق بالسوريين، في شوارع وساحات أوروبا.

ويتطلع المشروع الذي يكرم المعري، تلك القامة العالية التي لم ترتهن لأي سلطة سياسية أو دينية، وصاحبة الأفكار العقلانية والمتحررة، والتي خاطبت الإنسان المعاصر في كل مكان، إلى المساهمة في النهوض والتحرر الفكري للسوريين، ومساندتهم في مواجهة الفكر المتطرف، الذي قطع رأس تمثال المعري في موطنه معرة النعمان عام 2013، مقتديًا بنظام الأسد الذي تفنن بقطع رأس كل من يتطلع نحو الحرية، وبوأد فن السوريين وفكرهم الذي يوحد هويتهم الوطنية والوجدانية.

افتتح عرض العمل لمدة ثلاثة أشهر في مدينة “مالقا” السياحية الإسبانية، في حديقة “Huelin” ابتداء من 1 نيسان عام 2019، وواكبت الفعالية في ظهر يومها الأول ندوة للحقوقي أنور البني بعنوان “العدالة في سورية باتجاه الصلاحية العالمية”، في كلية العلوم التربوية بجامعة “تباتينوس” في مالقا، أعقبتها ندوة ثانية في المساء بعنوان “العدالة والنضال ضد الإفلات من العقاب”، في مركز الدراسات الإسبانية المغربية.

كما تضمنت الفعالية بيومها الثاني، ندوة فنية بعنوان “عن المعري فكراً وفناً”، بمشاركة الفنانين السوريين عاصم الباشا وفارس الحلو، أما في اليوم الثالث فقد تم افتتاح عرض العمل الفني “رأس المعري”، في حديقة “ولينغ”.

نفذ الفنان السوري القدير عاصم الباشا النصب الفني من مادة البرونز، حيث بلغ قياسه 3.25 /م طولاً و1.25/م عرضاً، وساهم مادياً ناجون ينتمون إلى شرائح مختلفة من الناجين السوريين والسوريين الفلسطينيين، بينهم فنانون وأدباء وأكاديميون وفاعلون ثقافيون.

وأكدت “الناجون من المعتقلات السورية”، التي تعنى بمحاربة ثقافة الإفلات من العقاب، بكل السبل الفكرية والأدبية والفنية والحقوقية والإعلامية المتاحة، أنهم يؤمنون عميقًا بأهمية تنفيذ المشروع وتمويله بأيادٍ سورية، “تكريساً لسوريّة المعرّي، وتأكيداً على أصالة التراث السوري وإنسانيته، وعلى براءة الهوية السوريّة من التطرف، وعلى فاعلية العقل السوري في النقد وطرح السؤال منذ قديم الأزل، فضلاً عن رد ​المنزلة لرمزية قامة فكرية فلسفية أدبية، تعرضت للانتهاك في موطنها من كل الأطراف”.

ومن المتوقع أن يبقى التمثال الذي يجسد صرخة دائمة لا تنتهي ضد الاستبداد، في إحدى العواصم الأوروبية ذات الكثافة السكانية العالية، ريثما يحل السلام في سورية، ويتمكن “الناجون” من إعادته لموطنه، وليكون رأسه المرفوع شاهدًا على أن الفن والفكر والجمال، هي الأسس الأصلح نحو مجتمع حديث متحرر، ورمزاً لاستعادة السوريين لقضيتهم، على درب عودته وعودتهم إلى سورية بعد تغريبة.