فأنت ترى أن مذهب أبي العلاء في الخير قريب من مذهب الرواقيين، لأنه قد مدح الجهد والمشقة، ودعا إلى اتباع العقل، وهجر اللذات، ونادى بالمساواة والرحمة… ولكم تمنى أن يشعر الإنسان بالرحمة التي يشعر بها هو نفسه، وأن يسود العدل بين الناس، وأن لا يقابل الشر بالشر. من أجل هذا الشعور بالرحمة رام الدفاع عن الحيوان، وأراد حماية الضعفاء والمرضى والمساكين والشيوخ والأطفال. فهو إذن رسول الإخاء وعدو الظلم وبطل المساواة والعدل.. ألا ترى كيف يطلب… إن الأمراء لا يسوسون الرعية بالعقل، بل يعتدون على الأفراد ويسومونهم أنواع العذاب، ويحدثون الفوضى في سبيل مطامعهم. والقضاة والعلماء ليسوا أحسن حالاً من الأمراء، لأنهم يستخفون بقضايا الناس، ويسجيزون الجور والقهر، ويقبلون شهادة الزور والرشوة. فهم أشبه بالتجار الظالمين منهم بالعلماء العاملين. لا يصلح الناس إلا سياسة عقلية مبنية على الرحمة والعدل والمساواة.

جميل صليبا

1902 - 1976

كاتب وفيلسوف عربي ولد في لبنان، وانتقل إلى دمشق ودرس فيها، حصل على دبلوم التربية من جامعة السوربون وإجازة في الفلسفة ثم إجازة في الحقوق وهو أول عربي يحصل على درجة الدكتوراه في الآداب، عرف بتفوقه العلمي في العصر الحديث، وبجهوده الكبيرة في خدمة العلم والتراث العلمي العربي. اهتم بإماطة اللثام عن إسهامات العرب في تقدم البشرية.
عمل مدرساً ثم رئيساً للتعليم العالي وعميداً لكلية الآداب وانتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق. أثرى المكتبة العربية بثلاثين مؤلفاً في الفلسفة والتربية وعلم النفس والأدب.

المزيد من قيل في المعري

  • نبذة عن توفيق رفعت

    قال توفيق رفعت

    ومن خصائص أبي العلاء التي لم تجل فيها الأقلام جولتها في شاعريته أو عقيدته، أنه كان لغوياً حقيقياً بهذه الصفة في أوسع دلالاتها، فمنظومه ومنثوره يشهدان أنه قد وسع اللغة مبحثاً ولفظاً، وبعد شأوه فيها رواية وحفظاً. إلا أنه يزيد على ذلك أنه قد أودع ما انتهى إلينا من جمهرة [...]

    المزيد..
  • نبذة عن ميخائيل نعيمة

    قال ميخائيل نعيمة

    عشرة قرون. إن دقائق عشراً لفسحة من الزمان كافية لمحو عالم وخلق عالم، فكيف بقرون عشر؟ وكيف برجل تمر به القرون بمدها وجزرها، فتجرف الكثير من الذين سبقوه والذين عاصروه والذين جاؤوا بعده، ولا تقوى على جرفه، بل تحمله كمطية مطواع من فجر حول إلى فجر حول، من قلب جيل [...]

    المزيد..
  • نبذة عن عبد العزيز الميمني

    قال عبد العزيز الميمني

    هب أنك زرت المعرة فرأيت في زاوية من بيت رجلاً قصيراً مجدَّر الوجه مشوَّهه نحيلاً وقد تخدد جلدهُ وتغضَّنَ جالساً على لِبْدَة أو بارية وهو في بُرْجُد في الشتاء أو في عباءة في الصيف، ولست ترى في البيت من الأثاث أو الرياش شيئاً غير عُصيَّة له أو آنية من الفخار [...]

    المزيد..