“رســــــــــــالـة الـغفــــــــــران” لأبي العلاء المعري
نبذة عن الكتاب
اشتهر في العصر الحديث أثر من أبرز آثار أبي العلاء المعري وهو “رسالة الغفران”، بينما لم تكن مما يُلتفت إليه، على الرغم من وجود نسخ منها في زوايا المكتبات العربية. ولم يكن يُعرَف عنها سوى كلمات قليلة، حتى جاء أواخر القرن التاسع عشر، وكان للإنكليزي “نيكلسون” الفضل في لفت النظر إلى أهمية (رسالة الغفران)، حين ظفر بها عام 1899م ضمن مجموعة مخطوطات اشتراها، ومن فوره راسل رئيس مجلة الجمعية الآسيوية الملكية، الذي سارع إلى نشرها في أعداد، كان آخرها عدد سنة 1902م.
وبعد ذلك طار خبر الكتاب إلى بلاد العرب، فكان أول من عني بنشره فيها أمين هندية في مصر سنة 1903م مستعيناً في ضبطها على عجل بالشيخ إبراهيم اليازجي، فجاءت طبعة مليئة بالتحريفات والتصحيفات.
ثم زاد إقبال الباحثين على الكتاب بعد الضجة التي هزت الأوساط الأدبية في أوروبا بسبب ما تقدم به المستشرق الإسباني “بلاثيوس” إلى المجمع الملكي الإسباني سنة 1919م من بحثٍ بعنوان (الأصول الإسلامية للكوميديا الإلهية) حيث أكد بالأدلة الدامغة استعارة دانتي فكرة الكتاب من أبي العلاء.
ثم ضمّنها كامل الكيلاني في نشرته لرسائل أبي العلاء، والتي تضم ثماني رسائل (القاهرة: دار المعارف 1942م).
وانتصف القرن العشرون، والمثقفون العرب يستثقلون مؤونة تحقيق الرسالة، حتى تصدّت لذلك الدكتورة عائشة عبد الرحمن، فانقطعت مدة من الدهر في تحقيقها ثم نشرتْها وعرّفتْ بها وبرسالة ابن القارح التي كانت سبباً لتأليف أبي العلاء لرسالته. وأصدرتْ أول نشرة محققة لها عام 1950م (القاهرة: دار المعارف) ثم أعادت نشرها مرات، أولها عام 1954م وآخرها عام 1969م.
وقد كان من أسباب عزوف الناس عن تحقيقها بادئ الأمر أنّ نسخها المخطوطة في المكتبات حملت أكثرها عناوين مخترعة، كالنسخة التي وجدت في سوهاج بمصر بعنوان (في علم الأدب: مجهول المؤلف)، ونسخة جامعة الإسكندرية التي عثر عليها تحت عنوان (كتاب في الأدب لعلي بن منصور: نادر الوجود جداً) وعلي بن منصور هذا، هو ابن القارح الذي كتب له أبو العلاء (رسالة الغفران) هذه.
أما موضوع (رسالة الغفران) فقد كتبها المعري ردًا على رسالة ابن القارح، فجاءت رسالة ذات طابع روائي، حيث جعل المعري من ابن القارح بطلاً لرحلة خيالية أدبية عجيبة يحاور فيها الأدباء والشعراء واللغويين في العالم الآخر، فكان المعري يصوّر فيها يومَ القيامة، في أبرع مشاهد السخرية المرة والفكاهة المضحكة المبكية. وقد بدأها المعري بمقدمة وصف فيها رسالة ابن القارح وأثرها الطيب في نفسه، فهي كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ثم استرسل بخياله الجامح إلى بلوغ ابن القارح للسماء العليا بفضل كلماته الطيبة التي رفعته إلى الجنة فوصف حال ابن القارح هناك مطعماً الوصف بآيات قرآنية وأبيات شعرية يصف بها نعيم الجنة، وقد استقى تلك الأوصاف من القرآن الكريم مستفيداً من معجزة الإسراء والمعراج، أما الأبيات الشعرية فقد شرحها وعلق عليها لغوياً وعروضياً وبلاغياً.
وقد قسّم المعري رسالة الغفران إلى قسمين: قسم الرحلة وقسم الرد، فكان الأول قسم تخييلي عجائبي عبر تسلسل للأحداث واكبها مهارة الكاتب تصرفاً وتحكماً في أحداث لم يتسلسل فيها الزمن، حرصاً منه على إضفاء نوع من المتعة لدى القارئ، فقدم قسم الجنة على قسم المحشر، وأنهاها بقطع لتسلسل الأحداث عبر إقامة ومضة ورائية يعود بها للأحداث تقديماً وتاخيراً.
وأما القسم الثاني (الرد)، فكان حديثاً مباشراً موجهاً إلى ابن القارح دون ضمنيات، يؤكد فيها أبو العلاء على أسباب إنشاء الرسالة.