أول تحقيـق علمــي لمخطوطــــة «مُلقَى السبيل» للمعرّي
صلاح حسن رشيد
كاتب مصري
ويؤكد المحقق أن “مُلقَى السبيل” من تراث المعري الخالص للعظة والزهد والاعتبار، وهو أول وعظ للمعري في النثر والنظم على حروف المعجم في العربية، وهو أول محاولة – أيضاً – للزوم ما لا يلزم في النظم، أي قبل اللزوميات.
ويخلص الدكتور عبادة بعد الدراسة المتعمقة والتحقيق الدقيق للروايات والترجيح في ما بينها، إلى أن أبا العلاء المعري قد أملى هذه المخطوطة عام 403 / 1012 تقريباً، على منهج «الفصول والغايات في تمجيد الله والعظات» في الوعظ على جميع حروف المعجم، بعدما اعتزل الناس والحياة، وقبع في عقر داره للتأليف والإملاء والمطالعة والتفكير والبحث في مناحي العلم والفلسفات والآداب والشرائع.
وذكر المحقق أن هذه المخطوطة قد نشرت ست مرات في القرن الماضي، أولها نشرة مستقلة عن مخطوطة الأسكوريال الرقم 467 بعناية وتعليق وتقديم الباحث التونسي حسن حسني عبدالوهاب، وطُبع في مطبعة “المقتبس” في دمشق سنة 1329 / 1911. وظهرت النشرة الثانية عن الأولى بعناية العلاّمة محمد كرد علي، في مجلة “المقتبس” عدد المحرم سنة 1330 / 1912، وكانت النشرة الثالثة للمخطوطة بعناية كرد علي أيضاً، وضمنها كتابه “رسائل البلغاء” في طبعته الثانية عام 1913، الصادرة في القاهرة عن مكتبة الحلبي، أما النشرة غير المحققة للمخطوطة الرابعة فظهرت ضمن كتاب «رسائل البلغاء» كذلك عام 1946 عن لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة، والخامسة بعناية الأديب كامل كيلاني، ضمن طبعته “رسالة الغفران شرح وإيجاز” في مطبعة المعارف في مصر سنة 1938، والسادسة بعناية الأستاذين: محمد عبدالحكيم القاضي، ومحمد عبد الرازق عرفات ضمن طبعتهما “إتحاف الفضلاء برسائل أبي العلاء” في القاهرة عام 1989. لكن الملاحظ أن جميع النشرات السابقة للمخطوطة لم تكن محققة تحقيقاً علمياً، مثلما فعل الدكتور السعيد عبادة في طبعته الحالية.
ويعد كتاب «ملقى السبيل» للمعرّي أكثر كتبه رواية عنه، وقراءة عليه، وقد ظل يؤخذ عنه، ويقرأ عليه خمساً وأربعين سنة، كما يقول الدكتور عبادة، وهو الكتاب الوحيد للمعري، الذي عارضه ثلاثة من الأندلسيين في القديم، كما كان أحظى كتب المعري عند المصريين، إذ كتب وقرئ في الإسكندرية ثم في القاهرة بعد رحيل المعري بقرنين من الزمان، في نسخة بقيت إلى الآن، وهي أقدم نسخة وأجودها نسخاً مع الإسناد والضبط والسلامة.
وقد اعتمد المحقق على سبع نسخ للمخطوطة، إحداها الأقدم، ومما سمع عن أبي العلاء نفسه، مع نسختين بروايتين عن المعري، وبشرح للسيد البطليوسي، ضمن كتابه “الاقتضاب في شرح أدب الكتاب”. وأكد المحقق أن نسخة الأسكوريال كانت معروفة وتقرأ في مصر، بعد المعري حتى سنة 637 / 1240 أي أنها لم تذهب إلى الأسكوريال إلا بعد هذا التاريخ.
وقد قرأ مجموعة من ثقات العلماء على أبي العلاء المعري أو سمعوا منه هذه المخطوطة، وقد أحصى منهم ابن العديم: أبا تمام غالب بن عيسى الأنصاري، وأبا الخطاب العلاء بن حزم، وأبا الخطاب أحمد بن أبي المغيرة، وعثمان بن أبي بكر السفاقسي، وأبا القاسم نصر بن صدقة القابسي النحوي، وأبا الفتح بن أحمد بن أبي الروس السروجي.
وعارض المعري في هذه المخطوطة الكثير من الأدباء والعلماء في القديم والحديث، منهم ذو الوزارتين أبو عبدالله محمد بن مسعود أبي الخصال الغافقي الأندلسي 465 – 540/ 1073 – 1145 ضمن كتاب “رسائل ابن أبي الخصال” ثم عارضه حافظ الأندلسي ومحدّثها في وقته أبو الربيع سلمان بن موسى الكلاعي 565 – 634 / 1170-1237 بـ “مفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة المعري في مُلقى السبيل” الذي لم يبق منه إلا المنظوم على حرف “الكاف” في “رحلة العبدري” وإلا المنظوم على “الراء، والفاء، واللام ألف” في رحلة “ابن رشيد الفهري السبتي” ثم عارضه الحافظ أبو عبدالله محمد بن عبدالله القضاعي الأندلسي المعروف بابن الأبار 595 – 658 / 1199 – 1260 بـ “مظاهرة المسعى الجميل ومحاذرة المرعى الوبيل في معارضة ملقى السبيل”.
وعارضه في العصر الحديث – كما يقول المحقق – شاعر البراري، محمد السيد شحاتة 1901 – 1963 في ديوانه “مع الدين” من دون أن ينص على ذلك.
بدأت المخطوطة بقول المعري: “بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، حدثنا الشيخ أبو منصور عبدالمحسن بن محمد بن علي التاجر، قال: قرئ على أبي العلاء، أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي، وأنا أسمع في شهر ربيع الأول، من سنة سبع وأربعين وأربعمئة”. وانتهت بشعره:
كان الهدى يهدى إلى قلبه مـن ســمـعـه لو أنـه يـهـتـدي