طيلةَ حياته لعبَ المعري بفستقة، ظلّ يقلبها ويديرها بين أصابعه متسائلاً هل تتضمن ثمرة أم لا؟ إن الشك الذي اشتهر به يعود في نهاية الأمر إلى الارتياب الذي يخامر من يكون على وشك تكسير فستقة ولا يدري هل هي فارغة أو ملآنة. بين أصابعه فستقة، وما يُقلقه أنه لا يعلم كيف وصلت إليه، وإلى من هو مدين بها. وإن فعل فلمن سيردها؟ لقد قضى عمره يرفض الهدايا والصلات ولكنه كان عاجزاً عن استبعاد الفستقة التي سقطت يوما بين يديه.
إن فردوس المعري لا يلجه إلا الشعراء المشهود لهم بالجودة والتفوق؛ ليس في رحابه مكان لشاعر رديء أو ضعيف، بل إن جحيم المعري لا يقطنه إلا فحول الشعر كامرئ القيس، والشنفرى، وبشار بن برد. الشخص الوحيد الذي يراه ابن القارح في الجحيم والذي لا ينتمي إلى فئة الشعراء هو إبليس؛ ولكنه ليس بغريب عن الشعر في رسالة الغفران حيث يبدو أبا الشعراء وملهمهم. ألم يقل أحد الملائكة لابن القارح إن الشعر “قرآن إبليس”.
عبد الفتاح كيليطو
1945
كاتب وروائي مغربي. حاصل على دكتوراه دولة من جامعة السوربون الجديدة عام 1982. يعد من زمرة النقاد والباحثين المجددين في الدراسات الأدبية العربية ومخرجيها من دائرة التقليد والنمطية. عمل أستاذًا في كلية الآداب جامعة محمد الخامس، الرباط، أكدال. قام بالتدريس بوصفه أستاذًا زائرًا بعدة جامعات أوروبية وأمريكية. شكلت أعماله موضوع مقالات وتعليقات صحفية ونقلت بعض أعماله إلى لغات عدة منها الانكليزية والفرنسية والاسبانية والألمانية والإيطالية.