لعل أبا العلاء من أكثر من تناوله النقَّاد بالدرس من بين شعراء ومفكري اللغة العربية، وما نريد اليوم أن نعرض للأبحاث التاريخية التي دارت حوله كأبحاث نيكلسون ومرجوليوث وسلمون وفون كريمر والراجا كوتي، فتلك تستند إلى مناهج في البحث التاريخي، أكثر اعتمادها على الأدلة النقلية، وهي كتب علمية، نصيب الأدب أو النقد الأدبي منها محدود، وهي وإن تكن غنية بالتفاصيل التي لا بد لمن يريد الحديث عن أبي العلاء من الإلمام بها، إلا أنها لا تغني عن ضرورة تخطيها إلى الفهم العام لنفسية ً أبي العلاء فهماً لا يستقيم نقد بدونه. بل إنه لمن الواضح أن أمثال تلك الأبحاث قد تُميت أبا العلاء بدلا بما يفيدون من تجارب الغير، ينفذون إليها ويضيفون إلى حيثيتهم الخاصة التي لا يمكن أن تتسع لكل أنواع التجارب البشرية، وتلك مهمة الأدب الأساسية، إذا فقدها لم يعد لوجوده معنًى إلا أن يكون ضربًا من العبث بالأفكار والألفاظ، يلهو به الناس أو يلهون الغير… وهو ليس من مقتضيات مناهج البحث الحديثة. وما نترك عصر أبي العلاء وتاريخ حياة أبي العلاء لنصل إلى فلسفة أبي العلاء وشعر أبي العلاء، حتى نجد طائفة من التقاسيم المدرسية التي تقف عند الشكل دون أن تمس الصميم.
محمد مندور
1907 - 1965
أديبٌ وصحفيٌّ مِصْري، من أهمِّ النقَّادِ المُجدِّدينَ للأدبِ العربيِّ الحديث. حصل على ليسانس في الآدابِ ثم الحقوقِ، ثم الدكتوراه. سافر إلى فرنسا وتخصَّصَ في دراسةِ أصواتِ اللغة، وقدَّمَ بحثاً موضوعُه موسيقى الشعرِ العربيِّ وأوزانُه. بعد عودته إلى مصر عمل في الترجمة والتدريس في جامعة الإسكندرية. وكتب في النقدِ الأدبيِّ في مجلتَيِ «الثقافة» و «الرسالة» أهمَّ مجلتَيْنِ ثقافيتينِ في ذلك العصر. عاش تاريخاً حافلاً بمعارك سياسية وفكرية واجتماعية، واعتبر شيخ النقاد ومؤسس النقد العربي الحديث خاصة بعد محاضراته وكتبه النقدية؛ «نماذج بشرية» و «النقدُ المنهجيُّ عندَ العَرب» و«في النقدِ والأدب».