قيل في المعري
علينا أن نقوم بواجب أوليّ نحو أبنائنا وأحفادنا بأن نرفع بين المنازل التي نبنيها تمثالاً جليلا لأبي العلاء ينظرون إليه ويستظلون بفيئه ويومئون نحوه متفوقين عندما يجمعهم المستقبل بأبناء وأحفاد الذين يفتخرون بشكسبير ودانتي وملتون وجوث.
ولهذا أطلب إليكم أيها السوريون أن تشاطروني شرف القيام بهذا المشروع. أطلبُ من كل فرد رجلا كان أو امرأة، أطلب من العامل والأديب والتاجر والصحفي بل أطلب من كل من يحب نفسه ويكرمها أن يساعدني على إيفاء دين أوجدته الحياة وأوجبته علينا نحو نفوسنا
ثلاث علامات من اجتمعن له كان من عظماء الرجال، وكان له حق في الخلود:
فرض الإعجاب من محبيه ومريديه، وفرط الحقد من حاسديه والمنكرين عليه، وجوٌّ من الأسرار والألغاز يحيط به كأنه من خوارق الخلق الذين يحار فيهم الواصفون ويستكثرون قدرتهم على الأدمية، فيردون تلك القدرة تارة إلى الإعجاز الإلهي، وتارة إلى السحر والكهانة، وتارة إلى فلتات الطبيعة إن كانوا لا يؤمنون بما وراءها.
وهذه العلامات الثلاث مجتمعاتٌ لأبي العلاء على نحو نادر في تاريخ الثقافة العربية، لا يشركه فيه إلا قليل من الحكماء والشعراء؛ فهو في ضمان الخلود منذ أحبَّه مَن أحب، وكرهه من كره، وتحدث عنه من تحدث كأنه بعض الخوارق والأعاجيب
وأراد أبو العلاء أن يترجم عن نفسه؛ فترجم عنها كما استطاع: كانت نفسًا حازمة صارمة؛ فترجم عنها في حزامة وصرامة، وازورَّ الناس عن معانيه، ثم كانوا عن ألفاظه أشدَّ ازورارًا. ضاق به أكثرهم، ولم يكن يأنس إليه منهم أحد، وارتفعت معانيه وألفاظه عن أكثرهم، ولم يكد يخلُص إلى تلك ولا يطمئن إلى هذه إلا الأقلُّون عددًا. ومع ذلك فأبو العلاء فذٌّ في الأدب العربيِّ كله، وصل من حقائق الأشياء إلى ما لم يصل إليه أديب عربيٌّ قبله أو بعده. ومع ذلك فأبو العلاء فذٌّ يُعَدُّ من هذه القلة الضئيلة التي يمتاز بها الأدب العالميُّ الرفيع على اختلاف العصور وتباين أجيال الناس.