هب أنك زرت المعرة فرأيت في زاوية من بيت رجلاً قصيراً مجدَّر الوجه مشوَّهه نحيلاً وقد تخدد جلدهُ وتغضَّنَ جالساً على لِبْدَة أو بارية وهو في بُرْجُد في الشتاء أو في عباءة في الصيف، ولست ترى في البيت من الأثاث أو الرياش شيئاً غير عُصيَّة له أو آنية من الفخار أو نعل من الخشب. فأدلف له حتى تُصيخ لهَمْسه فإنه يقول: ما لي وللناس، إني قد جربتهم.. فلم أرهم إلا مفطورين على الشرور والغيبة والنميمة.. العقل هادٍ لك فلا ترُدّه أبداً ولا تصغ إلى أقوال هؤلاء الغواة الذين يأمرون الناس بالعرف وينسون أنفسهم فلا يأتمرون بما يأمرون.. ولا أرى السلطان إلا بآكل أموال الناس وجباياتهم بالباطل. ليس همه إلا في الرغائب من القيان والمغنين والعِيدان… وأما العوام فيزعمون أن الدعاء يجلب المطر وزعموا أن قوماً من الأبرار طاروا في الجو أو مشوا على الماء.. ويرتجون إماماً يقوم بينهم بالعدل وكذبوا- لا إمام سوى العقل.
عبد العزيز الميمني
1888 - 1978م
عبد العزيز الميمني الراجكوتي الأثري الهندي، أديب ولغوي وشاعر وخبير بالمخطوطات، من أهل الهند. كان مختصاً في معرفة المخطوطات العربية في الهند. بدأ حياته بالكلية الإسلامية ببيشاور، حيث قام بتدريس العربية والفارسية، ثم انتقل منها إلى الكلية الشرقية بمدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب، ثم استقر بالجامعة الإسلامية في عليكرة، وظل يتدرج بها في المناصب العلمية حتى عين رئيساً للأدب العربي بالجامعة.