ناجون بقضيتهم
طارق عزيزة
كاتب وباحث سوري
قضية الثورة السورية، بما هي قضية حرية شعب أراد استعادة حقوقه المسلوبة وامتلاك مصيره والعيش بكرامة، تراجعت بشكل ملحوظ حتى باتت تطلب حقّ الحياة، خاصة مع تطاول أمد المقتلة السورية نتيجة الحرب التي أعقبت الثورة، بل التي جاءت عقاباً للسوريين عليها إن شئنا الدقة.
ضمن هذه الظروف بالغة السوء، تأتي الأهمية الرمزية لمشروع “رأس المعري”، الذي أنجزته “الناجون من المعتقلات السورية”، ليكون “نواة لإطلاق سلسلة من الفعاليّات المؤثرة ذات الأرصدة الثقافية والفنية والحقوقية تشكّل بمجملها جزءاً لا يتجزأ من هوية السوريين الحديثة، ومنارات دالّة ومحرّضة للضمير الإنساني لإيجاد الحلول العادلة للقضية السورية”.
إنّ موقع الفيلسوف أبي العلاء المعرّي المتميّز في تاريخ الفكر الإنساني، بوصفه “رمزاً لحرية التفكير والشكّ والسؤال، ومثالاً لكرامة المثقف” ولدوره الثوري أيضاً، تجعل منه عامل جذب من شأنه المساعدة على إعادة الاعتبار لقضية الثورة السورية، بعد كل الذي نالها من خذلان وتشويه وتخريب ومتاجرة.
إن “الناجين من المعتقلات السورية”، إذ حشدوا جهودهم وتعاونوا معاً وساهموا بما استطاعوا لتحقيق هذا الإنجاز النوعيّ الهامّ، إنما يجذّرون بذلك تمسّكهم بقضيّتهم الوجودية، قضيّة العدالة، والتي ليس أبلغ وأقدر على تكثيفها والتعبير عنها من التركيز على الجرائم الأساسية وقضية المعتقلين في السجون والمعتقلات السورية. فالناجون، وإن نجوا وانتشروا في أصقاع الأرض، إلا أنهم حملوا آلام أولئك الرازحين في قبضة الموت وظلمات الاعتقال في طول سوريا وعرضها، سواء في معتقلات النظام أو غيره من سلطات الأمر الواقع الأخرى المتناحرة.
من هذا المنطلق، يعتقد الناجون أن أيّ “سلام” يستحق اسمه لن يكون ممكناً ما لم يقترن بالعدالة التي تنصف الضحايا، من قضى منهم ومن بقي على قيد الحياة، بما يضمن محاسبة كافة المجرمين والقتلة. ومن أجل ذلك سيكون عرض نصب للمعرّي في إحدى المدن الأوروبية، بمثابة اعتصام دائم إلى أن يحلّ السلام في موطنه، وفرصة للتعريف بهذه الثروة الفكرية والأدبية، و بقضية الناجين: “محاربة ثقافة الإفلات من العقاب”، بالفن والفكر والإعلام والحقوق.
يبقى أن النجاة بالقضية السورية وإنقاذها هو أمر مرهون بالسوريين أنفسهم، فلا عدالة ترتجى ما لم يتحلّقوا حول قضيتهم الحالية والمستقبلية التي هي بحدّ ذاتها وسيلة نجاتهم.
إنه مسار طويل وشاق تعترضه صعوبات متزايدة في ظل اختلال موازين العدالة والأخلاق في عالم اليوم، لكنه خيار الناجين الذي لا عودة عنه.