لماذا المعري الآن؟

حنا حيمو

شاعر ومترجم سوري

تزداد الحاجة للفلسفة أم التنوير وصانعة الشك اضطراداً مع تردّي المجتمعات التي لا زالت تعيش على الموروث الديني وتراه الطريق الوحيد للخلاص، وإذا كنّا نرى استسلام المجتمعات العربية عموماً والمجتمع السوري خصوصاً لحالةٍ من الوهم ترى الديني غير قابل للنقاش والطريق الأمثل للنهوض فعلينا أن نرى توهجات الانتفاضات والثورات في عموم هذه المجتمعات كصرخة من أجل التحرر بشقيه الفكري والسياسي.

هكذا أرى انتفاضة الشعب السوري في إطار انتفاضات الربيع العربي كما أرى محاولات وأدها التي يقوم بها طرفين على نقيض المشهد، الطرف الأول هو الأنظمة التي رأت نهايتها بأم عينها فاستخدمت الحركات الدينية بعبعاً تحاربه باسم الإرهاب، والحركات السلفية الاسلامية على النقيض تحمل نفس السند التاريخي في هجومها المسلح على الأنظمة مسنودةً من قوى سلفية خارجية لها أجنداتها. لقد وقعت القوى العلمانية المتنورة، السلمية، في سوريا بين هذين النقيضين فتم استئصالها منهما اعتقالاً وقتلاً وتكفيراً فخرجت من المعادلة حين تحولت المعادلة الثورية الى حرب مسلحة أرادها النظام وانساقت لها القوى السلفية.

كيف نرى المعري هنا ولماذا نراه أصلاً؟ المعري فيلسوفٌ سوري جريء وشجاع، واجه بوضوح الاستسلام للنصوص الدينية وتفسيراتها بأسئلة الوجود والشك، الشك الذي لم يعد اليوم شك في أنه بداية الطريق للتحرر، الشك الذي يواجه بالفكر والتحليل العميق تخلف المجتمع واضعاً التحليل للداء ومن ثم خطة التنوير التي سترتقي بالمجتمع وتنهض به لتضعه على سكة العصر وسياق المعرفة السائدة.

إذا كانت كل الأطراف في مجتمعنا تلجأ للتاريخ سنداً لإثبات فعالية المطلق الديني في بناء الدولة فليس لنا نحن العلمانيين أن ننساق لهذه اللعبة طويلاً، علينا أن نؤسس من تاريخنا نقطة الانطلاق ونتجه فوراً في اتجاه المستقبل، هنا أرى المعرّي.

إن إمامة العقل التي تكلم المعري بها ودافع عنها هي برأيي خط البداية الذي لا يجب الوقوف عنده طويلاً، لقد اجتازنا الزمن ولدينا من التراث العالمي و أحداثه وتطوراته ما يكفي للإنطلاق بالحركة فنحن في الألفية الثالثة ولسنا في الألفية الأولى التي عاش فيها المعري ولا نقدر تجاهل ما حدث ويحدث في العالم من تطورات نراها بوضوح في واقعٍ عالمي مرتبط ببعضه بكل وسائل الإتصال.

كتاب المعري “زجر النابح” الذي حققه إبراهيم الكيلاني يصلح كبداية، هو زجرٌ للقوى السلفية النابحة وراء قافلة الحداثة، الحداثة التي ترتكز على العقل والمنطق، الحداثة التي تضع المقدس الديني في مكانته الروحية وتبعده عن بناء وإدارة الدولة.
لقد أشبع الدارسون كتب “اللزوميات” و ” سقط الزند” درساً وتحليلاً لكن لم يجهروا جميعاً بما أراد المعري من انتماءٍ الى منطق الشك، الاجهار الذي أراده المعري حين قال: